Feb
25
من أجمل ما قرأت آنفاً :
ولما فَقه الناس هذه الأمثال : تتابعوا في سباق يغرسون ، فكانت شجرة ثامنة عرفت بينهم أنها شجرة الاغتفار .
وهي شجرة عنب كثيرة الثمر ، فكان غارسها إذا مَرَّ به صديق له : اقتطف عنقوداً ودعاه ، فيأكله ، وينصرف شاكراً .
فلما كان اليوم العاشر : قالت امرأة صاحب الشجرة لزوجها : ما هذا من أدب الضيافة ، ولكن أرى إن دعوت أخاك ، فأكل النصف ،
مددت يدك معه مشاركاً ، إيناساً له ، و تبسطاً و إكراماً .
فقال : لأفعلن ذلك غداً .
فلما كان الغد ، و انتصف الضيف في أكله : مدّ الرجل يده و تناول حَبّة ، فوجدها حامضة لا تساغ ، وتفلها ، و قطّب حاجبية ، و أبدى عَجَبه من صبر ضيفه على أكل أمثالها .
قال أبو حيان التوحيدي : فقال الضيف : قد أكلت من يدك ، من قَبلُ على مر الأيام حُلواً كثيراً ، و لم أحب أن أريك من نفسي كراهة لهذا تشوب في نفسك عطاءك السالف
و ما هذه من قصص الأغاليط ، ولكنه مَثَل ضرب لك أيها الأخ الداعية فاستمع له ، ومجاز تدلف منه إلى العدل مفتوح أمامك .
فليس فيمن حولك من انبغت له العصمة و استقام له الصواب ،
فإن أخطأ معك أخ لك فلا تجرمنَّك كبوته على الهجران ، و التأفف ، والضجر و الانتقاص منه ،
بل ولا على العتاب , إنما تتصبر ، و تكظم و تعفو في سرك
مستحضراً جمال سابقاته ، و جياد أفعاله ، و حلو مكرماته ،
إذ لعله قد أعانك على توبة أو ظاهرك عند تعلمك رديفاً و رفيقاً و سميراً ،
أو علّمك باباً مما علّمه الله و طريقه .
محمد أحمد الراشد - كتاب الرقائق – أشجار الإيمان
Recent Comments