الحركات الإسلامية وخصوصيات تجاربها في المشاركة السياسية
... عمر كوش ... الحياة
تختلف مشاركة الحركات الإسلامية في الحياة السياسية في البلدان العربية من بلد إلى آخر، كما تختلف طبيعة المشاركة وكيفيتها وحجمها. ويجمع كتاب «الإسلاميون والحكم في البلاد العربية وتركيا» أبحاث وأوراق الندوة الفكرية الأولى التي نظمها في جامعة القاضي عياض في مدينة مراكش المغربية يومي 16 و17 حزيران (يونيو) 2006 مركز الدراسات الدستورية والسياسية، وشارك فيها عدد من الأساتذة والباحثين والمهتمين بظاهرة الحركات الإسلامية في العالم العربي وتركيا.وترتكز أبحاث الكتاب إلى أسئلة كبرى، سعى الباحثون إلى دارستها والإجابة عليها، وتمحورت حول الأسس النظرية للمشاركة ومقاصدها السياسية، والكيفية التي تتصورها الحركات الإسلامية في علاقاتها مع الفاعلين السياسيين الذين يختلفون معها في المرجعية السياسية، وماهية حصيلة أداء الحركات التي توافرت لها شروط المشاركة من داخل البرلمان، أو من موقع المسؤولية الحكومية، وماهية العقبات وطبيعتها التي حالت دون إدراكها مقصد لها، وكيفية بناء نموذج عقلاني للمشاركة، يسعف الحركات الإسلامية في أن تصبح طرفاً فاعلاً في الحياة السياسية، يجنبها الإقصاء الذاتي والموضوعي حسب ما يذهب إليه الدكتور محمد المالكي.وعلى خلفية هذه الأسئلة، حاول عبد السلام الطويل قراءة المسار السياسي لحزب العدالة والتنمية المغربي، من خلال دراسة في المفاهيم الحاكمة للمشاركة السياسية، وتحديد حصيلة الأداء السياسي لـ «حزب العدالة والتنمية»، وبحث في موقف «حركة التوحيد والإصلاح»، من جملة القضايا المؤطرة لعملية المشاركة السياسية، كالموقف من الديموقراطية، والإصلاح الدستوري، والعلمانية أو العلاقة بين الدين والسياسة، ثم تتبع مسار المشاركة السياسية للإسلاميين المغاربة وأثر ذلك في المفاهيم التي يتبناها الحزب، من خلال عرض حصيلة العمل التشريعي والرقابي لحزب العدالة والتنمية.وقدم أحميدة النيفر قراءة في «تجربة حركة مجتمع السلم الجزائرية»، حيث عالج المحددات الفكرية والتنظيمية التي تمكّن من فهم التوجس الذي عبر عنه بعض المتخوفين من صدقية ما يرفعه الإسلاميون الراغبون في العمل الإسلامي والانخراط في اللعبة السياسية. وفي السياق ذاته ركّز الزبير عروس على أهم محطات المشاركة السياسية للإسلاميين الجزائريين، وتوقف عندما يعانيه التيار الإخواني في الجزائر من انقسامات تنظيمية، على رغم المصدر المعرفي الحركي الواحد والهدف المشترك. أما أعلية العلاني فاهتم بتأريخ ظهور الحركة الإسلامية وتطورها في تونس، مع التوقف عند تطور موقفها من المشاركة السياسية، وإظهار الظروف الذاتية والموضوعية التي دفعت حركة الاتجاه الإسلامي، «حركة النهضة حالياً، إلى المرواحة بين خيار المشاركة وبين إكراهات المواجهة مع النظام الحاكم.وأشار مصطفى عمر التير إلى أهمية الرجوع الى التاريخ في كل عملية تروم الفهم الواقعي للحركات الدينية، مرجعاً نشأة الحركة الدينية في ليبيا إلى القرن 19 من خلال ظهور السنوسية التي وجهت نشاطها لمقاومة الاستعمار. كما رصد مسار الجماعات الدينية المعاصرة، الإخوان والتجمع الإسلامي والجهاد والتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية المقاتلة وسرايا المجاهدين، من خلال دراسة حالات بعينها، مظهراً تنوع الزعامات لأنصار هذه التنظيمات وأنشطتها وأصلها الاجتماعي.وحاول حيدر إبراهيم علي إظهار ما يميز الحركة الإسلامية السودانية عن بقية الحركات في العلم الإسلامي، كونها نشأت كجزء من الحركة المطالبة بالتحرر الوطني، علماً أن هناك نقاط اختلاف وتمايز بين صفوف الحركة قبل وصولها إلى السلطة السياسية، لكن تجربتها تعتبر اختباراً واقعياً لنظريات الإسلام السياسي، وموقفها من الديموقراطية وحقوق الإنسان وقبول الآخر وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.وفي خصوص الحالة اللبنانية، تناول عدنان السيد حسين تجربة حزب الله والجماعة الإسلامية، وبيّن تأثير ما يعانيه لبنان من تعدد طائفي ومذهبي فيهما، حيث لم تستطع الأحزاب والحركات الإسلامية أن تمنع نفسها من الاتصاف بالطائفية، وقد أثر هذا العامل كثيراً في انجازاتها وإخفاقاتها، وفي ما يواجهها من تحديات وأسئلة.وتتبع عمر كوش مسار المشاركة السياسية للحركة الإسلامية في سورية، حيث تناول مسار حركة «الإخوان المسلمون»، وتوقف عند آفاق المشاركة في الحراك الديموقراطي، سيما أن الإخوان المسلمين في سورية عبروا عن أنفسهم بالمشاركة في المؤسسات السياسية في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته، من خلال الإسهام في التجربة الديموقراطية الجنينية التي توقفت عام 1958. أما حالياً فلا شك في أن الإخوان المسلمين يشكلون إحدى القوى السياسية المهمة المطالبة بعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها، وإعادة السياسة إلى المجتمع السوري.وفي الحال الفلسطينية، تناول إبراهيم أبرش، حركة «حماس» والانتخابات الفلسطينية، مظهراً ما يميز الحالة الفلسطينية نتيجة خضوع الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، ما يجعل ما يسمى أحزاباً سياسية في الحقيقة فصائل مقاومة مسلحة ومكونات حركة تحرر وطني. وكان لهذا العامل أهمية كبيرة في قدرة «حماس» على تكييف برامجها المعلنة مع مشروع التسوية والالتزامات الدولية، ومدى استعداد حركة «حماس» لمبدأ تداول السلطة الذي هو جوهر الممارسة الديموقراطية. أما نبيل عبدالفتاح فقد اهتم بالمكانة السياسية المهمة التي أصبح يحتلها الإخوان المسلمون في مصر بعد الانتخابات النيابية عام 2005، التي خولت لهم الحصول على نسبة 21في المئة من المقاعد. ثم عرض رصيد الجماعة الذي دخلت به انتخابات 2005، إستراتيجيتها خلال هذا الاستحقاق الانتخابي، مستنتجاً أن قوة الإخوان المسلمين هي محصبة لتحول طويل. وفي السياق ذاته ذهب حسام تمام في تناوله تحولات الإخوان المسلمين، والكيفية التي أثرت بها المشاركة السياسية في حركة الإخوان، وركز على تماهي المشروع الإخواني في حدود الدولة الوطنية، وبروز روح إخوانية جديدة أساسها التكيف مع الواقع كما هو من دون السعي إلى تغييره، ثم اتساع القاعدة الاجتماعية للحركة، إذ أصبح مناضلوها من الطبقة البورجوازية المتدينة، وليس من الطبقات الاجتماعية المهشمة اجتماعياً وسياسياً.أما وفي التجربة التركية، فاهتم محمد خيري أوغلو، بالحركة الإسلامية السياسية التركية، من خلال تقويم حصيلة حزب العدالة والتنمية في تركيا، لكنه اعتبر الحركات الإسلامية التركية عموماً ردة فعل على النظام القائم الذي حاول خلق شعب معاصر وتقدمي بناء على اعتبارات علمانية لا على أساس هوية إسلامية. كما اعتبر تجربة الحركة بزعامة أربكان ناجحة على المستوى الاقتصادي وفي محاربة الرشوة مقارنة بفترة أردوغان. ومع تجربة حزب السعادة تبين أن هناك مجموعة من الانحرافات على المستويات الاقتصادي والاجتماعي والديني، في الشكل الذي أسهم في تراجع الحركة، لكن في المقابل حققت نجاحاً كبيراً على مستوى تسيير الجماعات المحلية. ولاحظ محمد العادل، في معرض رصده التجربة التركية من منظور آخر، أن هناك خصوصية تميز الحركة الإسلامية في تركيا، لأن واقعها نتاج تضحيات أجداد هذه الحركة منذ 1920، حيث كانت هناك حركات منذ فترات تاريخية مبكرة، ولكن تمت عملية إبادتها وقتل شيوخها بداية الثورة الكمالية. وما يميز هذه الحركات أنها كانت مستقلة، ولم تتأثر بالتيارات الإخوانية الخارجية، أي هي تيارات تركية أصيلة، كالحركة النقشبندية والحركة النورسية. ولم تتخذ مشاركة هذه الحركات في المؤسسات السياسية الطابع المباشر دائماً، بل كانت هناك أحزاب تتفاوض مع الطرق والحركات لدعمها، الأمر الذي سمح بوجود أفراد من هذه الحركات منذ سنوات الخمسينات من القرن العشرين في البرلمان، بالإضافة إلى ترشيح أعضاء بصفة مستقلة.لا شك في أن هذه الخصوصيات تنطوي في أهمية كبرى، كونها تساعد على فهم تركيبة الإسلاميين في تركيا. ومرت الحركات الإسلامية بمراحل تاريخية، جسدت تطورها، بدءاً من مرحلة حكم أتارتورك 1920- 1938 ومرحلة 1938 – 1950 اللتين عرفتا بروز مجموعة من الأحزاب، تميزتا بمواجهة بين الحركات الإسلامية والتيارات القومية، غلب فيهما طابع الحزب الواحد على المشهد السياسي. وشهدت الفترة الممتدة بين سنتي 1950 و1960 عودة الآذان إلى اللغة العربية وإعادة الاعتبار الى التعليم الديني، ثم ظهر حزب النظام الوطني خلال مرحلة 1965 - 1980، وشكّل خليطاً من الإسلاميين المتأثرين بحركة الإخوان وجماعة النور والجماعة النقشبندية، نتاجاً لبروز ثقافة التحالفات في ممارسة هذه الحركات. ثم عرفت فترة 1983 - 1993 تأسيس حزب الوطن الأم الذي حصل على أغلبية مقاعد البرلمان، وأسهم كثيراً في إعادة الاعتبار إلى التعليم الديني. وخلالها تنبهت الحركة الإسلامية إلى أهمية الاقتصاد، فتحولت إلى قوة اقتصادية، حيث ظهرت شركات مهمة تابعة للإسلاميين، ما منحهم الاستقرار. وقد استفاد حزب العدالة والتنمية من المراحل التي مرت بها الحركة الإسلامية تاريخياً، ومن أخطاء حكومة حزب الرفاه، ومن الأجواء الديموقراطية المتاحة في تركيا، ما سمح له بالنمو والتطور.في الختام اعتبر عبد الله تركماني أن تجربة حزب العدالة والتنمية التركي تشكل نموذجاً يستحق التأمل في العالم العربي، وبخاصة من تلك الأحزاب التي تبحث عن المزاوجة بين الإسلام والحداثة، كونها تقدم مثالاً حيّاً على إمكانية الجمع بين الإسلام والحداثة. وأرجع أسباب صعود الحركات الإسلامية في تركيا إلى وصول الشعب التركي إلى مرحلة كشف فيها «ضلال» النخبة العلمانية، وإلى تزامن صعود حزب العدالة والتنمية مع تنامي توحش العولمة وانخراط الشعب التركي في البحث عن ثقافته وهويته التي يشكل الإسلام جزءاً مهماً منها، خصوصاً أن العلمنة التركية منذ سنة 1923 لم تأت في سياق جدل داخلي، لكنها كانت عبارة عن «قشرة» ألصقت بالمجتمع التركي بعدما مورس العنف في فرضها. واستطاع حزب العدالة والتنمية أن يوظف مختلف التحولات السياسية والاجتماعية في تصوراته وبرامجه، فهناك انتقاد ذاتي داخل الحركة، ونزوح عن الكارزمية والزعامات، والإيمان بالعمل الجماعي، مع الاهتمام بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية.غير أن أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من التجربة التركية تتلخص في كون النظام الديموقراطي السلمي هو القادر وحده على إحداث التغيير، فيما يظل الاعتقاد بامتلاك الحقيقة أمراً سلبياً وعائقاً ضد كل حراك ديموقراطي. ولعل هذه التجربة الناجحة تقدم للعرب درساً قوامه: ضرورة توفير فضاء ديموقراطي كفيل بخلق مناخ سياسي يتيح تنافساً سلمياً بين مختلف الفاعلين على تنوع توجهاتهم وأفكارهم.
Recent Comments